لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
خطبة الجمعة بعنوان ذكر الله
7100 مشاهدة
فضل الذكر

وهكذا أمر تعالى بذكره؛ أمر العباد أن يذكروه كثيرا، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وذكر الله: كل شيء يذكر به من الأقوال والأعمال؛ فذكره بالتهليل والتكبير والتعظيم والتحميد والاستغفار، وذكره بذكر أسمائه وصفاته؛ فله سبحانه الأسماء الحسنى والصفات العلا، وذكره بذكر أفعاله؛ بتذكر خلقه لنا، وخلقه للمخلوقات، وذكره بذكر آلائه؛ بذكر نعمه: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فذكر نعمه من ذكره؛ حيث إن العبد إذا ذكر نعم الله عليه أحدث له ذلك اعترافا بفضله، وإقرارا بعطائه سبحانه؛ فيكون بذلك من الذاكرين، ولقد ورد الأجر والثواب في جزيل ثواب الله للذاكرين؛ ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم؛ فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ذكر الله .
هكذا أخبر بأن ذكر الله تعالى خير من هذه الأعمال، وأنه يرفع ربنا به العبد درجات؛ وما ذاك إلا أن ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل بين الفارين. ذكر الله تعالى يذكر العبد عظمة ربه، فإذا ذكره وذكر عظمته أحدث خوفا، وأحدث رجاء، وأحدث محبة، وأحدث توكلا، وأحدث له عبادات متنوعة لا تحصل للغافلين؛ ولذلك نهى الله تعالى عن الغفلة عن ذكره؛ فقال الله تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ نسوا عظمة الله، ونسوا آلاءه ونعمه، ونسوا فضائله، ونسوا عقابه ونسوا ثوابه، ونسوا أمره ونهيه، ونسوا شريعته؛ فأنساهم مصالح أنفسهم؛ المصالح الحقيقية التي هي تعود عليهم في الدنيا وفي الآخرة نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ وهكذا أمر الله تعالى بذكره خفية وسرا في قول الله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ .
فهذا دليل -عباد الله- على أننا مأمورون بالإكثار من ذكر الله، وأنا نُهينا عن الغفلة. الغفلة عن ذكر الله تقسي القلوب، الغفلة عن ذكر الله تَرِينُ عليها، الغفلة عن ذكر الله بها تكثر بها الذنوب، الغفلة عن ذكر الله بها تكثر وتظهر الغيوب؛ فاجتهد يا عبد الله في أن تكون من الذاكرين الله. الله تعالى يقول: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ورتب أيضا على ذكره أن يذكر من ذكره، وأن يثيب من شكره؛ فقال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ وقال في الحديث القدسي: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ؛ يعني: الملائكة إذا ذكرت الله تعالى في ملأ فخشعوا لذكر الله، وخضعوا؛ ذكركم الله بين الملأ الأعلى؛ أي بين الملائكة، فيكثرون لك من الدعاء والاستغفار.
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لله ملائكة سياحين، فإذا وجدوا الذين يذكرون الله تنادوا؛ هلموا إلى حاجتكم؛ فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء، يجلسون مع الذاكرين؛ فلذلك تكون مجالس الذكر مجالس الملائكة.
ولا شك -عباد الله- أن قسوة القلوب بسبب الغفلة عن الله تعالى؛ فالمجالس عمرت بالقيل والقال؛ قل أن يذكر فيها ربنا سبحانه باسم من أسمائه أو صفة من صفاته، أو تذكر نعمة من نعمه التي أسداها على العباد، وكذلك أيضا بقية الأماكن؛ حتى المساجد التي هي أماكن العبادات؛ يكثر الذين يخوضون فيها، يتكلمون بما لا يعنيهم وما ليس بطاعة، فإذا عمرت المساجد بالطاعة، وعمرت المجالس بذكر الله وشكره فإن ربنا سبحانه يُسدي علينا نعمه، ويجزل علينا فضله، ويعطينا ما سألناه، ويسبغ علينا سوابغ فضله، كما أخبر بذلك.